[b]سأل
سائل بعذاب واقع) أي دعا داعٍ من الكفار و هو النضر بن الحارث و من وافقه
من المشركين أن يصيبهم العذاب – على وجه التعجيز و الإمتحان - , فقالوا :
" اللّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر
علينا
حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " . فبشرهم الله تعالى بأن ذلك
العذاب واقع لا محالة . ( واقع , للكافرين ) مُرصد مُعَدّ للكافرين . (
ليس له دافع ) أي : ليس لهذا العذاب الذي استعجل به من استعجل , من متمردي
المشركين , أحد يدفعه قبل نزوله , أو يرفعه بعد نزوله . ( من الله ذي
المعارج ) أي : صاحب العلو و الدرجات و مصاعد الملائكة و هي السماوات . (
تعرج الملائكة و الروح إليه ) أي : تصعد الملائكة و جبريل إلى الله تعالى
. ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) أي يصعدون من منتهى أمره من أسفل
الأرض السابعة إلى منتهى أمره من فوق السماوات السبع في يوم مقداره خمسون
ألف سنة بالنسبة لصعود غير الملائكة من الخلق . ( فاصبر صبرا جميلا ) أي :
اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك , و استعجالهم العذاب استبعادًا لوقوعه ,
و استمر على أمر الله , و ادع عباده إلى توحيده , فإن الصبر على ذلك خيرا
كثيرا . ( إنهم يرونه بعيدا ) وقوع العذاب و قيام الساعة يراه الكفرة
مستحيل الوقوع , لأنهم أصلا يكذبونا بالبعث و النشور . ( و نراه قريبا )
أي : المؤمنون يعتقدون كونه قريبا , و إن كان له أمد لا يعلمه إلا الله ,
عز و جل , لكن كل ما هو آت فهو قريب و واقع لا محالة . يقول تعالى :
العذاب واقع بالكافرين ( يوم تكون السماء كالمهل ) أي : تذوب كذائب النحاس
, و الرصاص المذاب , من تشققها , و بلوغ الهول منها كل مبلغ . ( و تكون
الجبال كالعهن ) أي : كالصوف المنفوش – في الخفة و الطيران بالريح – ثم
تكون بعد ذلك هباء منثورا , فتضمحل . فإذا كان هذا القلق و الإنزعاج لهذه
الأجرام الكبيرة الشديدة , فما ظنك بالعبد الضعيف الذي قد أثقل ظهره
بالذنوب و الأوزار ؟ أليس حقيقا , أن ينخلع قلبه و ينزعج لبه , و يذهل عن
كل أحد ؟ و لهذا قال : ( و لا يسأل حميم حميما ) أي : لا يسأل قريب قريبا
عن شأنه – مع أنه يراه في أسوأ الأحوال – لشغله بشأن نفسه . ( يبصرونهم )
أي : يعرّفون أقرباءهم , و مع ذلك يفر بعضهم من بعض . ( يودُّ المجرم لو
يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه , و صاحبته و أخيه , و فصيلته التي تُؤويه , و
من في الأرض جميعا ثمّ يُنجيه , كلا ) لما يرى المجرم الذي حق عليه العذاب
هول يوم القيامة و هول ما ينتظره من عذاب أليه , يتمنى أن لو يفتدي نفسه –
من ذلك العذاب – ببنيه الذين هم حُشاشة كبده , و محل شفقته , و زوجته التي
هي أحب إليه , و أخيه الذي يستعين به في النوائب , و عشيرته التي تضمه
إليها في الشدائد , بل و يفتدي بأهل الأرض جميعا لينجي نفسه من سوء المصير
. لكن لا ينفع ذلك و لا يقبل , فقد حقّت كلمة ربك على الذين فسقوا أن لهم
عذاب عظيم . ( إنّها لظى ) إنّ النار التي وُعد بها المجرمون من لهب خالص
, شديد الحرارة . ( نزّاعة للشّوَى ) أي : تنزع جلدة رأس المجرمين بشدة و
قوة فيظل الرأس عظم بلا جلد , ثم " و إن يستغيثوا يُغاثُ بماء كالمهل يشوي
الوجوه " فيسقط لحم الوجه , فيبقى هيكلا عظميا لا لحم و لا جلد عليه كما
قال تعالى " كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب " . *
قاله الشيخ عبد العظيم بدوي * . ( تدعو من أدبر و تولّى , و جمع فأوعى )
أي : تدعو النار إليها – بلسان طلق ذلق – من أدبر عن طاعة الله و رسوله ,
فكذبه بقلبه , و ترك العمل بجوارحه . و من جمع المال بعضه على بعض فأوعاه
, و منع حق الله منه من الواجب عليه في النفقات و من إخراج الزكاة . ثم
تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]